رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

د.سحر الحسيني تكتب :من وحي كتاب الفن  المخيف للكاتب الروائي والناقد /د. تامر عطية

المصير

الأحد, 8 ديسمبر, 2024

10:35 م

 كتاب ( الفن المخيف ) هو المؤلف الأحدث للكاتب الروائي والناقد دكتور تامر عطية.    
 صدر للكاتب العديد من المؤلفات الروائية  على مدار السنوات السابقة.  له أيضا العديد من مقالات النقد الفني الذي يتناول فيها  تلك القضية الشائكة ومثلث برمودا  شديد الخصوصية.  الحياة...الفن ... الإنسان ..   

 في هذا الكتاب التحليلي النقدي ينطلق الكاتب والناقد /تامر عطية في رحلة تأملية عميقة ، يحاور فيها جوهر الفن كظاهرة إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان .         ما الذي يجعل الفن خالداً؟
 وكيف يمكن له أن يكون شاهداً على التغيرات الكبرى في حياة الشعوب؟ 

يقدم الكاتب رؤيته النقدية من خلال مزيج فريد من التحليل الدقيق والتأمل الفلسفي،  في رحلة نقدية وفلسفية، يمسك فيها بخيوط الفن المتشابكة ليكشف عن جوهره الكامن كبنية وجودية، لا تكتفي بتمثيل العالم بل بإعادة تعريفه.
          يغوص الكاتب في ماهية الإبداع الإنساني، محللاً صلته بالوجود واللاوجود، بالحلم والواقع، بالحرية والضرورة.
 يقارب الفن بوصفه مرآة مزدوجة تعكس داخليتنا الهشة وتحطم في الوقت ذاته ثبات الصور التي نقنع أنفسنا بها. 

الفن المخيف  دعوة إلى التفكير في الفن كحدث فلسفي متمرد، يفتح أبواباً نحو اللامتناهي ويضع الإنسان وجهاً لوجه أمام أسئلته الكبرى، حيث يصبح الفن شاهداً أبدياً على محاولتنا المستميتة لفهم ذواتنا والعالم من حولنا.

- وقد تناول الكاتب مسألة المعاناة الفنية، فهو لا يربطها بمعايشة الحدث، فلا يشترط أن يمر الفنان بالتجربة كي يتمكن من حكايتها بشكل لائق ومؤثر، الفنان حساس بطبعه، وقد تنقلب فرط الحساسية إلى كآبة مزمنة، العجيب أنه أحيانا يكون سكان القصور أكثر إحساسا بالمهمشين، وأقدر على طرح المأساة بشكل فني، وحين نقرأ كتاباتهم نجدها حقيقية إلى درجة الشك في أنهم بالفعل عاشوا التجربة بحذافيرها، ما يعني أن ليس كل من يملك معاناة قادر على ترجمتها كتابةً، وليس كل من يقدر على ترجمة المعاناة بالضرورة هو صاحبها.

- كما يتحدث عن فعل الكتابة، ويفرق بينه وبين الرغبة في الكتابة، عملية استحضار المعلومة، صندوق الذكريات، والسؤال الذي يواجه الكاتب حين يمسك بقلمه ( ماذا سأكتب ؟)،
 سؤال صعبة الإجابة عليه رغم اختمار الحكاية بتفاصيلها في ذهن الكاتب.

المعاناة النابعة من ممارسة فعل الكتابة، معاناة ترجمة المشاعر إلى كلمات وخطها على الورق، ومعاناة الاندماج شعوريا مع أبطال الحكاية لدرجة الانفعال لهم، وربما البكاء معهم.
إن المعاناة الحقيقية كما يوضح الكاتب نابعة من الإيمان بعظمة ما يقوم به، الشعور بالمسؤولية الكاملة تجاه العمل، إهمال الزمن المنقضي في كتابة عمل وحيد، ومعاناة تسخير الأدوات المملوكة لإنجاز العمل بأفضل طريقة، مع تجاهل ما قد يترتب على اكتماله مثل النجاح، الاحتفاء، الشهرة.

كتاب الفن المخيف يلمس معاناة كل روح تشهد لحظة ميلاد الأبجدية، وتحمل على عاتقها مسؤولية الجمال.
لذا يبدو لي أن الكاتب قد عانى الإجهاض مرة وأخرى، وهنا يحاول إعادة خلق نفسه، يشكل مخلوقا جديدا يشبه حلمه وأمنياته، فيخرج كل شيء برؤية خاصة جدا، لتكون جائزتنا الكبرى هي اكتمال هذا المخلوق.

- يتطرق الكاتب إلى لعنة الصورة وربما التصوير، حيث يرى أن المنتج الفني قد يفقد قيمته حين يتم وضعه داخل إطار محدود، هذا يحدث عندما تتخلى الصورة عن دورها الجمالي لصالح الدور التجسيدي، ما يغلق باب التخييل والتخيل، تتخلى وقتها الصورة عن كونها وسيلة إيضاح جمالية إلى أن تصير هي الحقيقة.

الفن في معناه المطلق ضد القيود، السلاسل والأيدلوجيات، فأي عمل بلا أجنحو هو عمل غير إبداعي.

- تطرق كتاب الفن المخيف إلى أ مر مهم جدا وهو الرغبة العارمة عند البشر في الكمال، التجميل درجة من درجات نشد الكمال، حيث نخفي عيوبنا برتوش خارجية نظن أنها قادرة على منحنا المظهر الكامل الذي نحلم به، وفي طريق هذا التجميل قد نفقد ذواتنا الأصلية لتتحول إلى مجرد كائنات بشعة، حتى وإن كانت تبدو ظاهريا أجمل، لكنها بشعة لأنها تخفينا تماما.

نتخيل أن الكمال هو قمة الجمال، ولكن في الحقيقة النقص أكثر جاذبية، حتى في الخلقة تكون الغمازات أجمل رغم كونها ضعف في عضلة الوجنة، العين الخضراء مدهشة رغم كونها نقص في الخلايا الصبغية.

ويستطرد الكاتب أن نقص اليد البشرية أجمل وأبقى من كمال الآلة، فهي تحمل جمالا لا يتوفر إلا فيها، لأنها متفردة ولا يشبهها شيء، ما يمنحها قيمة حقيقية، هذا يحدث مع الأبجدية حين تتنازل عن مساحيق التجميل فتعود متفردة ولا تشبه غيرها، وكأنها مخترعة فقط لحظة كتابتها.

- وقد تناول الفن المخيف تلك العلاقة الجدلية بين الفن والتاريخ، ليطرح سؤالا عن موقع الفرد من التاريخ، ويقيم المجتمعات التي تقطع الرابط بينها وبين كل قديم بحجة التحديث، أنا براند وستايل، يضرب مثالا ببنت صغيرة أهدتها أمها دمية، احتفظت بها طول عمرها إلى لحظة موتها، تلك الدمية التي حضرت تكويناتها مثل تسجيل تاريخي لكامل العمر.
هذا الارتباط بأشيائنا فقد قوته أمام التحديث والموضة، التي جعلتنا نتخلى بسهولة حيث صرنا أقل ارتباطا بما نملك ونحب.

- وتنتهي رحلتنا مع الفن المخيف    ومع الناقد العبقري وكتابه المثير لكثير من التساؤلات  : هل الفن هو محاولة للانتصار على الموت، أم أنه الوجه الآخر له؟ وهل يمكن للإنسان أن يخلق من العدم جمالًا يتحدى العدم ذاته؟ هنا، يتحول النقد إلى فعل فلسفي، يستحضر أسئلة لا أجوبة قاطعة لها، تاركا القارئ في حالة من التأمل العميق أمام لغز الفن الذي لا يحد ولا يفسر.
-